مفهوم الصبر
تفكرت كثيرا في مفردات القرآن فتوصلت الى ان اهم صفة في المؤمنين بعد الايمان هي الصبر. إن خُلُقَ الصبرِ من أعظمِ الأخلاق ِالتي ربَّى الأنبياءُ أتباعَهم عليها, وقد حلاَّهُم المولى جل جلاله بها فكانوا قدوةً فيها, ولقد أثنى اللهُ تبارك وتعالى على أهليها, فقال سبحانه وتعالى في كتابه في ذكرِ بعضِ أنبيائه " انا وجدناه صابراً نعم العبد إنه اواب". و الصبر هو نصف الإيمان، وذلك لأن الإيمان نصفه صبر والنصف الآخر شكر، وقد ذُكِر الصبر في القرآن في تسعين موضعاً في موطن المدح والثناء والأمر به، وهو واجب بإجماع الأمة. ولقد قمت بهذا المونولوج الداخلي مع نفسي.. نرجو من الاخوة تصحيح أي معلومة اخطأنا فيها.
ولم فضلت الصبر على الشكر ما دمت تقول ان الصبر نصف الايمان؟
لأن الصبر بمعناه الحقيقي يحتوي الشكر.. فالصبر الجميل هو الصبر الذي لا تذمر فيه ولا شكوى فيه وهو من معاني الشكر. ثم ان الشكر على الخير الذي يصيب الناس مألوف بينما الصبر اصعب.
ولم فضلت الصبر على كثير من الصفات الاخرى كالحلم والكرم والشجاعة ؟
لان الصبر صفة شاملة فهو يشمل اغلب ما ذكر سابقا.. الصبر هو حبس النفس عما ما يقتضيه العقل و الشرع. فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبراً، و إن كان في محاربة سمي شجاعة و يضاده الجبن، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتماناً. وان كان في امساك الغضب سمي حلما. لقد سمى الله تبارك و تعالى كل ذلك صبراً ونبه عليه بقوله: "و الصابرين في البأساء و الضراء والصابرين على ما أصابهم".
وبم استشهدت من القرآن في تفضيلك الصبر على سائر الخصال؟
استشهدت على ذلك بعظيم ثواب الصبر. قال جل شأنه"انما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب ". وقال سبحانه وتعالى "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الامور". وقال تعالى:"أولئك يجزون الغرفة بما صبروا" أي تحلوا بالصبر في الوصول إلى مرضاة الله.
وخصال الخير والحظوظ العظيمة لا يلقاها إلا أهل الصبر كقوله تعالى: "وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ" [القصص:80]، وقوله: "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" [فصلت:35].
وقرن الله بين الصبر والإيمان والعمل، حيث قال في سورة العصر: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: لو لم ينزل من القرآن إلا هذه السورة لكانت كافية وحجة على الأمة.
ولقد خص الله تعالى الصابرين بأمور ثلاثة لم يخص بها غيرهم وهي: الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: "وَبَشّرِ الصّابِرينَ * الّذِينَ إذا أصَابَتَهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّا إلَيهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ" [البقرة:155-157].
والله سبحانه قد علق الفلاح في الدنيا والآخرة بالصبر، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [آل عمران:200] فعلق الفلاح بكل هذه الأمور.
ولقد قال نبيُّه المصطفى محمدٌ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم "والصبر ثوابه الجنة" و عندما ذكر فضل شهر رمضان قال "وهو شهرالصبر والصبر ثوابه الجنة".(ومن هذا الباب الحديث القدسي الذي يقول "كل عمل ابن ادم له الا الصيام فانه لي وانا اجزي به".)
فهل بعد هذا شك في اهمية الصبر؟
حدثتنا عن اهمية الصبر فما بيانه وتفصيله؟
الصبرُ هو حَملُ النفسِ على تَحَمُّل المشاقِّ وتَكلُّفِالمكروهاتِ لها, وتَرْكِ مَحبوباتٍ أو مألُوفاتٍ لها ليسَت في صالِحها تُردِيها أوتُهلِكُها أو تُضَيِّعُ و تُفَوِّت عليها خيرًا كبيرًا .. الصبر بهذا المعنى جندٌمن جنودِ العقل, تُضبَطُ به حركةُ الإنسانِ ، ويَقُومُ به ميزانُ الإنصافِ للناس , ويُوصِلُه ذلك إلى تركِ الانتصافِ للنفس, وهو وصفٌ مِن أوصافِ الكمال .. الصبرُبهذا المعنى يشمل حقائق الإيمانِ بالرحمنِ جل جلاله, والتصديق برِسالةِ نبيِّهالمصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
والصبر ثلاث انواع:
1. الصبر على طاعة الله.
2. الصبر عن معصية الله عز وجل.
3. الصبر على امتحان الله عز وجل.
كيف نتحلى الصبر؟ وما وقعه على نفس المؤمن؟
إنا نرى غيرَ المؤمنين يَصبِرون على مشاق كثيرةليقطعوا على أنفسهم المشاكل, وليتوصَّلوا إلى الأغراضِ الفانية , فكيف حالُنامَعشَر مَن آمنَ لا نصبِرُ عن ما بِه تحصيلُ سعادةِ الأبد وكفايةُ شرورٍ لا نهايةَلها ..
والصبرُ يؤدِّي إلى حسنِتَقَبُّلِ الإنسانِ لمُختلفِ الأحداثِ الواقعةِ عليه, قال جل جلاله "وبشرالصابرين * الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وانا اليه راجعون * أولئك عليهمصلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ".
اذا كان الصبر هو في تقبل المصيبة فهل يتنافى الصبر مع الشكوي الى الله؟
العالم: لا يتنافى الصبر الشكوى إلى الله، فقد شكا يعقوب عليه السلام إلى ربه مع أنه وعد بالصبر فقال: {إِنَّما أشكُوا بَثِي وَحُزنِي إلى اللّهِ} [يوسف:86].
اذا كان الصبر ثلاث انواع فايه الافضل؟
النوعان الاوليان يفوقان النوع الثالث فهو مما لا كسب للعبد فيه.
وكيف يكون هذا؟ وانا اجد ان الصبر على مصيبة موت العزيز اصعب من الصبر على الصلاة مثلا؟
نعم صحيح لكن نحن نتحدث عن مصائب من النوع نفسه وبالتالي اذا اردت ان تقارن بين الصبر على المصائب والصبر على الطاعة فقارن بين الصبر على صدمة مقتل قريب لك بسبب حادث سيارة يقودها وبين القدرة عن العفو على شخص قتل لك قريبا بالخطأ. لاحظ لام التوكيد في حالة الصبر على الغريم.
ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور - واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور
هل هناك من مثل آخر من قصص الانبياء؟
نعم، كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب، وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، ولا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، أما صبره عن المعصية، فصبر اختيار ورضا، ومحاربة النفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شاباً، وداعية الشباب إليها قوية، وعَزَباً ليس له ما يعوضه ويبرد شهوته، وغريباً والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه مَنْ بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكاً والمملوك أيضاً ليس له وازع كوازع الحر، والمرأة جميلة، وذات منصب، وهي سيدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه؟!
[center]