أبو عمر الغالي المـديــر الـعـام
عدد المساهمات : 346 نقاط : 802 السٌّمعَة : 0 تاريخ الميلاد : 26/05/1992 تاريخ التسجيل : 04/11/2011 العمر : 32 العمل/الترفيه : فني في مخبز حماه الأول
| موضوع: كيف نتعامل مع السنة النبوية؟ الخميس ديسمبر 01, 2011 11:59 pm | |
| كيف نتعامل مع السنة النبوية؟ خالد بن مبارك الوهيبي . موضوع هذه الكلمات التي نتدارسها معاً " كيف نتعامل مع السنة "، قبل أن نشرع في تعريف السنة ومعايير ثبوتها علينا أن نقدم لقانون يحكم المناهج التي نتعامل بها مع السنة وغيرها. السنن الكونية والوحي الإلهي وهذا القانون أعده القانون الأول لفهم النص وهو ينص على أن "الوحي الإلهي الثابت والقوانين والسنن التي بثها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون لا بد من الجمع بينهما عند تنظير المناهج وتحديدها" وهذا ما دلت عليه آيات الكتاب العزيز يقول الله سبحانه وتعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ) فهذه قراءة في كتاب الكون من خلال لفت نظر الإنسان إلى أصل خلقته ونشأته وتكوينه، ثم جاءت قراءة أخرى (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) وهي قراءة في كتاب الوحي المدون بالقلم، فإهمال أحد هاتين القراءتين تجن على الحقيقة الإلهية وظلم للوحي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى للبشرية، وحال من يغفل أحد هاتين القرأتين كمن ينظر إلى الأشياء بعين واحدة، فالنص الإلهي مشتمل على القوانين والسنن الكونية، والسنن الكونية هي من خلق الله سبحانه وتعالى وتدبيره، فكلاهما من عند الله تعالى (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) وسوف نستحضر هذا القانون عند تعاملنا أو تحديدنا لمعايير الثبوت في الروايات التي تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكما تعلمون أن السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وجاءت آيات الكتاب العزيز ناطقة بذلك (وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وهذه حقيقة بدهية لا يجادل فيها إلا مكابر للحقائق الناصعة الواضحة. تعريف السنة: السنة في اللغة: الطريقة المسلوكة، وفي الإصطلاح هناك تعريفات كثيرة عند المحدثين والأصولين والفقهاء بل حتى وعند العامة، والتعريف الذي يعبر عن حقيقة هذه الدين: (ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير على وجه التشريع). نأتي لتحليل هذا التعريف: (ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم)، ما هو مقياس ومعيار هذا الثبوت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟. كثير من الناس يحسب أن هذا الثبوت هو مجرد النظر إلى الأسانيد وأحوال الرجال وما جاء فيهم من تعديل أو تجريح أو أنه مدون في أحد كتب الحديث المشهورة المعروفة، والحقيقة أن هناك مقاييس: - المقياس الأول:لا بد أن تثبت الرواية بمقاييس المنهج النقدي الشمولي الذي يتجاوز مجرد النظر إلى القضية الإسنادية إلى آفاق واسعة من خلال محاكمة متن الرواية إلى ثوابت القرآن الكريم والسنة المتواترة والحقائق التاريخية الثابتة والحس والمشاهدة، أو بعبارة أخرى القوانيين والسنن الإلهية في الكون. -عدم مخالفة الرواية لدلالات القرآن الكريم والسنة المتواترة إن القرآن الكريم والسنة المتواترة دستور هذه الأمة وأصولها وثوابتها، فهو الوحي الثابت ثبوتاً قطعياً لا شك فيه، فالسنة النبوية جاءت ترجمة عملية لدلالات القرآن الكريم ومعانيه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قرآنا يمشي على الأرض، والقرآن الكريم قال اللهُ سبحانه وتعالى عنه: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) وقال فيه: (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) فتجاوز الرواية لدلالات الكتاب العزيز أمر مؤذن بعدم ثبوتها عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، وللأسف الشديد انساحت كثير من المرويات عبر التاريخ بسبب إغفال كثير من المناهج الحديثية للقرآن الكريم. كثرت الروايات حتى زادت عن الحد، فلم يعد هناك ضابط يضبطها، والذين صنعوا المشكلة من البداية بكثرة الرواية التي لم يحدها حد جاءوا وقدموا المناهج التي عكست نظرتهم الجزئية ومذاهبهم الكلامية وتوجهاتهم السياسية المتأثرة بشتى الثقافات. 1. في صحيح البخاري في كتاب الوحي من طريق السيدة الجليلة عائشة -رضي الله تعالى عنها- حديث الوحي الشهير وفي متن هذه الرواية "وفتر[1] الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من روؤس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل"، والحديث في كتاب من الكتب الشهيرة وهو صحيح البخاري الذي اكتسب قدسية لا مثيل لها عبر التأريخ، هذه الرواية تصور لنا النبي صلى الله عليه وسلم شخصاً وصل إيمانه إلى الحضيض، بحيث إنه حاول أن ينتحر برمي نفسه من روؤس شواهق الجبال، ونتساءل: هل هذه هي الصورة التي عليها النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)؟ تصوره لنا هذه الرواية شخصاً تظهر منه أمور لا يمكن أن تصدر حتى من أضعف الناس إيماناً والله تعالى يقول: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقال: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) فكيف يعقل أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم أو أن يحاول أن يفعل هذه الفعلة النكراء، ونحن نعلم أن عصمة الأنبياء حقيقة ثابتة بالنصوص القطعية (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ*وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ) ووصفه الله سبحانه وتعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فهذه الرواية مخالفة لنصوص الكتاب العزيز، فحق لنا أن نستبعدها تماماً من مناهجنا ومن فهمنا للسنة ولا نلقي لها بالاً أينما كانت. 2. في صحيح البخاري، ورد أيضاً مما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الشمس إذا غربت فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش" الحقيقة الكونية الثابتة التي هي عبارة عن قانون أودعه الله سبحانه وتعالى في هذا الكون أن الشمس إذا غربت فإنها وتطلع على قوم آخرين، وهي في مكانها تدور حول محورها، وإنما دوران الأرض حول محورها هو الذي يتسبب في تعاقب الليل والنهار، فمثل هذه الرواية مخالفة للقوانين والحقائق الكونية التي هي من عند الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى قال عن هذه الأجرام السماوية والقوانين التي تحكم هذا الكون: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)، قد تتسائلون من أين جاءت مثل هذه الروايات؟ إنها عبارة عن بقايا التسرب الإسرائيلي إلى المسلمين، والتي تعطي تصوراً أسطورياً لما يحصل في الكون أشبه بالتصوير الذي قد تقرأونه في كتاب "بدائع الزهور"، كأن تصور الناس الذين كانوا في العهود الغابرة طوال القامة، قد تصل قامة أحدهم إلى الشمس ويأخذون السمك في أيديهم ويشوونها، تصوير أقرب إلى الأفلام الكرتونية. 3. ورواية أخرى تنقلنا إلى عالم الفتن والملاحم وأحداث آخر الزمان، ففي صحيح مسلم من طريق تميم الداري وتصور الرواية أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي رواها عن تميم الداري- وكان نصرانياً فأسلم- وفيها أن الموج قد ألقاهم على شاطئ جزيرة وجدوا فيها دابة تتكلم واسمها الجساسة، ووجدوا فيها إنساناً عظيم الخلقة موثقاً بقيود تمنعه من الإنطلاق، وقال لهم إنه هو الدجال يوشك على الخروج!. طبعاً الإشكالية تكمن في أمور: -نتسائل أين هذه الجزيرة؟! فما من بقعة من بقاع الأرض إلا وقد وطئتها أقدام بني البشر، وما من بقعة من بقاع الأرض إلا وقد مسحتها الأقمار الصناعية ولم نجد دجالاً موثقاً. -ولم نجد جساسة تتكلم!!؟، هذه إشكالية أن الحيوانات تتكلم، لديك قانون من خلال نظرك في كتاب الكون أن الحيوانات لا تتكلم، هذه الرواية تصور لنا عالماً أسطوريا آخر. - وكذا تفاصيل هذه الملاحم، يمكن للباحث المجد أن أن يجد أصولها في سفر الرؤيا من العهد الجديد!!. 4. وروايات التجسيم والتشبيه هي مخالفة لقواطع النصوص القرآنية التي تنـزه الله سبحانه وتعالى عن الأنداد والأشباه والأضداد (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ) (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وغيرها كثير من الروايات المخالفة لقواطع النصوص القرآنية، لكن هذه إشكالية الرواية التي صنعتها المدرسة الحديثية، المدرسة الحديثية التي كانت تسعى جاهدة ومنذ وقت مبكر في البحث عن غرائب وعجائب الروايات حتى فاضت وزادت عن الحد، في حين أن المسلمين في أوقات الاستقرار السياسي كانت الرواية عندهم قليلة بما يحتاجون إليه، وكانت السنة الجمع عليها والتي وصلت للجميع هي التي تحكم حياتهم، فعمر بن الخطاب استخار شهراً في كتابة السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عزم أن لا يفعل ذلك، وقال: لا أجعل مع كتاب الله كتاباً آخر، وقال مثناة كمنثاة أهل الكتاب، وكان عندما يبعث البعوث إلى الأمصار يوصيهم بقوله: (أقلوا الحديث عن رسول الله وأنا شريككم)، نتساءل: لماذا كان عمر بن الخطاب يفعل ذلك؟ هل عمر بن الخطاب ممن ينكرون السنة؟ بالطبع كلا، ولكن عمر بن الخطاب كان يفهم السنة أكثر مما يفهمها هؤلاء، فقد كان يهيمن بكتاب الله عز وجل على المرويات، وكانت الرواية عنده لا تكون إلا من أهلها؛ من الفقهاء العارفين بالملابسات والأسباب التي تقتضي عملية الرواية، ولما ذهب عمر وجاءت الصراعات السياسية التي حفل بها تاريخ المسلمين؛ انفتح باب الرواية على مصراعيه، وفتح الباب لكل أحد وفشا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوام لا يعرفون معنى الخوف من الله عزوجل، أقوام قال الله تعالى في حقهم وفي حق أمثالهم (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ) . - مخالفة الرواية للحقائق التأريخية الثابتة، فالرواية التي تأتي عن الأفراد وإن كانت في كتب الحديث وتحتوي على أمور تأريخية هي رواية تأريخية وإن كانت تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد من محاكمتها إلى الحقائق التأريخية الثابتة للتأكد من مطابقتها للواقع التأريخي. 1. على سبيل المثال روى مسلم عن طريق ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الناس كانوا لا يجالسون أبا سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : "يا رسول الله ثلاث أعطينيهن، قال: نعم، عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة أزوجكها، قال: نعم، وقال: ومعاوية تجعله كاتب عندك، قال: نعم، قال: وتأمرني على أن أقاتل المشركين كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم" واضح أنه يصور النبي صلى الله عليه وسلم بشخص ضعيف ينصاع لزعيم البيت الأموي في ذلك الوقت. نأتي إلى الأمور التي طلبها الزعيم الأموي: -الأمر الأول: ( قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة أزوجكها)، أبو سفيان يقول هذا بعد إسلامه كما تصوره الرواية، ونتسائل من خلال دراستنا للتأريخ والسير والمغازي التي نقلها جمع عن جمع، فصارت في كثير من الأحيان حقائق تأريخية مشتهرة، في حين تلك الرواية جاءت عن فرد عن فرد (=آحاد)، والسؤال الذي يطرح نفسه: متى تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة؟، أهل السير والمغازي يقولون إنه تزوجها عندما كانت بالحبشة وارتد زوجها عبيدالله بن جحش وبقيت بلا زوج، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين هناك يخطبها ووكل شخصاً عنه وتزوجها أي قبل الفتح، فكيف يأتي أبو سفيان ويقول إنه يريد أن يزوجها للنبي صلى الله عليه وسلم؟!!، بعضهم حاول الدفاع عن هذه الأمور دفاعاً مستميتاً وكأنها قرآن منزل من عند الله، فقالوا لعله أراد أن يزوجه أختها!، لكن كيف يجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأختين؟!!، والقرآن نزل بتحريم الجمع بين الأختين، فهذا الكلام غير مقبول. -الأمر الثاني: (قال: ومعاوية تجعله كاتبا عندك).... لم يعهد عن معاوية أنه كتب شيئاً من الوحي على الإطلاق، التأريخ لا يعرف ذلك، بل حتى ما يذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" أن معاوية كان كاتباً للوحي كان مستنده هذه الرواية!، وإلا فالتأريخ لا يعرف أن معاوية كتب شيئاً من الوحي. -الأمر الثالث: (قال: وتؤمرني على أن أقاتل المشركين كما كنت أقاتل المسلمين) وأيضاً كتاب "السير والمغازي" لم يبقوا غزوة أو سرية أو موقعة إلا ودرسوها أمثال: ابن اسحاق والزهري والواقدي وموسى بن عقبة وغيرهم من كتاب السير والمغازي، لم يعرفوا إمارة أبي سفيان على شيء من السرايا أو البعوث في عهده صلى الله عليه وسلم، فمثل هذه الرواية مخالفة تمام المخالفة للحقائق التأريخية الثابتة فتستبعد، ومن الواضح أن هناك دوافع سياسية وراء هذا التلميع لبعض الرموز السياسية المشاركة في صناعة الأحداث أثناء فترة الرواية. 2. رواية عند الترمذي ومسلم وكثير من المحدثين يزعمون إنها بلغت درجة التواتر!!: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله حبل ممدود إلى السماء وعترتي أهل بيتي لن يتفرقا حتى يردى علي الحوض". - طبعاً يستدل بهذه الرواية على أن هنالك فئة كهنوتية مخولة لفسير نصوص الشريعة لديها حق إلهي في تفسير نصوص الشريعة وهذا دليل يقال عنه إنه دليل العصمة، ومفهوم الكهنوتية لا يعرف في كتاب الله عز وجل، كتاب الله عز وجل ناص نصاً صريحاً على أنه ليس هناك عنصر مقدس (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ومن حقائق الإسلام الناصعة التي نص عليها من أول ما نزل (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه). -أما قضية تفسير نصوص الشريعة، فكتاب الله عزوجل هو خطاب للإنسانية بأسرها بأن تتفاعل مع كتابه العزيز ولذلك تأتي الأوامر والنواهي والتشريعات مذيلة بـ(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)، وليس هناك خطاب لفئة كهنوتية متخصصة لديها حق إلهي نزل به الوحي لتفسير نصوص الشريعة دون غيرها، فهذا لا يعرف في كتاب الله. - ثم إن الله سبحانه وتعالى أمر برد الاختلاف إلى كتابه العزيز والثابت المستقر من سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يقل ارجعوه إلى آل بيت من بيوت العرب أو إلى فئة كهنوتية أو إلى عنصر مقدسٍ تسري في عروقه الدماء الزرقاء. - الفريق الذي يؤمن بمثل هذه الروايات ويعتبرها تأصيلاً أو حجراً أساساً في طريقته يقول لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، الحقيقة أنهما افترقا (=الكتاب العزيز وهؤلاء) ومن عرفوا بذلك قد أصبحوا في ذاكرة التاريخ، ولم يعد لهم وجود سوى ما يذكر سوى ما يذكر بأنهم لا يزالون في عالم الغيب!. - وآل البيت العلوي قد تفرقوا في البلدان وتمذهبوا بمذاهب أهلها فمن مِن هؤلاء الفرقاء المتخاصمين يملكون الحق الإلهي وهم من بيت واحد؟، ثم لماذا خص الحسينيون دون الحسنيين بهذا الحق الإلهي؟ هل نزل وحي بذلك؟ مع أن هذا النص يشملهم جميعاً. ومن الكلمات الرائعة التي قالها بعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين: " تلاوة قليلة للقرآن الكريم وقراءة كثيرة للأحاديث لا تعطيان صورة دقيقة للإسلام، بل يمكن القول إن ذلك يشبه سوء التغذية، إذ لا بد من توازن العناصر التي تكون الجسم والعقل على السواء". -المقياس الثاني: ثبوت الرواية بمقاييس السند من الإتصال وعدالة الرواة وضبطهم كما هو معروف من علوم الحديث. -المقياس الثالث: مراعاة وضبط موقع الرواية بعد ثبوتها في حركة الحياة بعد ثبوت الرواية متناً وسنداً لا بد أن تخضع لهيمنة أصول الدين وقواعده الكلية أي لدلالات القرآن الكريم والسنة المتواترة، فهو الوحي الثابت ثبوتاً قطعياً لا شك فيه، وهو يحكم النسب والموازين وضبط موقع الرواية في بناء صرح الإيمان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها كلمة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"، فلا يمكن أن نقلب شجرة الإيمان وتجعل الأصل فرعاً والفرع أصلاً، لا بد أن نضبط النسب والموازين في تعاملنا مع النص وإلا فإننا قد جنينا على الوحي الإلهي، نضرب أمثلة على ذلك: -مثلاً: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشرب قائماً، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه شرب من ماء زمزم قائماً، وورد أيضاً في البخاري ومسلم أنه نهى عن الشرب قائماً كما تذكر الرواية مع زيادة (ومن نسي فليستقي)، كيف نتعامل مع هذه الروايات، هل هي ثابتة وصحيحة؟ وهل نجعل هذا النهي محكاً يقاس به دين الإنسان واستقامته؟! ما مكانة هذه الروايات في بناء صرح الإيمان في آداب الأكل والشرب؟. عندما تقرأ كتاب الله عز وجل تجد الأصول التي تدور حولها هذه القضايا منها: 1. قول الله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) لا بد من شكر النعم بشكر المنعم سبحانه وتعالى ومن ذلك الدعاء والتسمية وغيرها قولاً وعملاً. 2. (كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ) أكل الحلال الطيب المباح والبعد عن الحرام. 3. (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) النهي عن الإسراف والتبذير. هذه هي أهم القضايا أو الخطوط العريضة أو القواعد العامة التي تحكم آداب الأكل والشرب، أين يمكن أن نضع مثل هذه الروايات في هذه البنية؟. -الذين لا ينظرون إلى الحكم والعلل والمقاصد، ويصورون الدين تصويراً أقرب إلى الألغاز والأحاجي والأمور التي لا تفهم لا ينظرون إلى ذلك. - ولكن الذي يظهر من هذا الاستقراء لنصوص الشريعة أن هذه الروايات ترجع إلى الأمور التحسينية؛ أي الهيئة الأفضل والأحسن، الهئية التي قد تكون هي غالب وضعية الإنسان، فالإنسان يتناول الطعام والشراب غالباً أثناء جلوسه سواء كان على طاولة أو على كرسي أو على الأرض، فهي الهيئة التي تسترخي وتستريح فيها أعضاء الإنسان، فلا تتعلق المسألة بشئ من أمور الدين التي يمكن أن يخالفها الإنسان، ولذلك قال فقهاء الصحابة من أمثال ابن عباس أنه يشرب واقفا أو جالساً أو متكئا، واعتمد على الإطلاق في قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، وذهب كثير من أهل العلم إلى أن الشرب واقفاً من المكروهات فحسب، والمكروه يمكن أن يرتفع لأدنى ضرورة، والشرب واقفا ليس أمراً تتعلق به استقامة الإنسان أو تدينه إنما هو من الأمور التحسينية التكميلية إن أراد بها التشبه به صلى الله عليه وسلم في ذلك فهو مأجور إن شاء الله تعالى دون تخطئة لغيره. يبقى الشق الأخير من الرواية "ومن نسي فليستقي" هذه لا يمكن أن تقبل على الإطلاق، إذ ليس لها أصل تشريعي تستند إليه، ولذلك فهي ترد رأساً ولا تقبل، والنبي صلى الله عليه وسلم شرب من ماء زمزم قائماً وما فعل ذلك، وورد عن كثير من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أنهم شربوا قياماً وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة، فالعمل لم يكن عليها، فلا تقبل لمخالفتها الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكونها لا تستند إلى أصل تشريعي. -أيضاً في قضايا الحياة المختلفة: هل يجلس الإنسان على الأرض أم على الطاولة في أكله وسائر أحواله؟كيف يأكل وماذا يأكل؟ هذه الأمور تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ما هو موقعها؟ هل هي تشريع أو ليست بتشريع؟ بمعنى هل هي معبرة عن تشريع سواء كان ذلك بالإلزام أو بالإرشاد والإستحباب؟، كثير منها ليست بذلك، وإنما هي معبرة عن حركة المجتمع وواقع الطبيعة الزمنية التي كان يعيشها النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أو أي نبي آخر يعيش زمانه وواقعه ومجتمعه بكل ما فيه، فعندما تروى مثل هذه الأمور يأتي من يأتي ويظن أنها تشريع وهي ليست معبرة إلا عن حركة ذلك المجتمع وطبيعته، على سبيل المثال ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ركب الدواب من خيل وبغال وحمير وما شابهها، هل يمكن نأتي ونقول إن ذلك تشريع، لا؛ إنما هي ممارسة للحياة الطبيعية، كذلك شكل اللباس، هناك ضوابط عامة تحكم فلسفة اللباس، لكن شكل اللباس ونوعه وما شابهه؛ كل ذلك متروك لحركة الحياة وتغيراتها المستمرة وفق الضوابط العامة التي جاءت بها النصوص من الكتاب العزيز أو من السنة النبوية المستقرة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فيجب الانتباه إلى كل ذلك. إن أحسنّا تطبيق هذه القواعد فسنفهم السنة النبوية فهماً جيداً بعيداً عن الإفراط والتفريط. | |
|