حماة في شغاف الروح (1)
سهادُ البين أرَّقني طويلا
ويسلبني الكَرى حتى المقيلا
وجمرُ البعد ألهبَ لي كياني
وأشعلَ بين أحشائي فتيلا
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(1) – عندما كنت في لامارات كان طيف مدينة حماة في مخيلتي ,
، وقد أحسست في الامارات أن اليوم شهر والشهر سنواتٌ , واشتد شوقي إلى حماة وروابيها , ونواعيرها وعاصيها وقلت في نفسي: ألا ما أصعب الفراق !! وما أجمل يوم التلاق !! فإلى كل بعيد عن مراتع الصبا , وملاعب الطفولة البريئة , وإلى كل من برَّح به الشوق إلى بلده , أهدي هذه القصيدة , عسى أن يجد فيها شيئا من السلوان .
وحاربني بسيف الهَجر شوقي
فأرداني بساحته قَتيلا
وصار الوجهُ مُصفراً حزينا
وجسمي – يا أحيبابي – نحيلا
وقد رقد الجميعُ ولا سميرٌ
يقاسمني التأَوُّهَ والعويلا
سكونٌ والدُّجى يغشى الفيافي
وضوءُ البدر يلتثم النخيلا
ووحدي في ظلام الليل أدعو
إلهاً لا يخيبُني جليلا
بأنْ يا ربِّ لُمَّ الشملَ وارحمْ
قلوباً أُطعِمَتْ هجراً وبيلا
نهاريَ من سوادِ البعدِ ليلٌ
وليليَ صارَ من بينٍ ثقيلا
أناجيَ البدرَ في الظلماءِ وَهْناً
تمهلْ كي تسامرَني قليلا
أحنُّ إلى ربوع حماةَ شوقاً
وأذكرُ ماضياً عذباً جميلا
نواعيرُ المياه بلا فُتورٍ
تقلِّبُ في حماةَ السلسبيلا
بعدْتُ وصوتُها وقعٌ يُدَوِّي
يصلُّ بمسمعي دوماً صليلا
يقول: كفاكَ ترحالاً مريراً
يصيِّر كلَّ ذي عزٍ ذليلا
فتربُ حماةَ خيرٌ من كنوزٍ
وإنْ كثرتْ، أَفِقْ، يكفي رحيلا
وما زالت حدائقُ أمِّ حُسْنٍ
تداعبُ عاصياً يهوى الطلولا
ثوت – رغم البعاد – بلبِّ عيني
حماةُ فقلتُ: أحسنت المقيلا
ويا عاصي جريتَ بدمعِ عيني
وطرفي كانَ مُسْودَّاً كحيلا
فلا تعجبْ إذا ما لماءُ أضحى
ليومٍ فاحماً يجري كليلا
فإن البعدَ جَفَّفَ لي المآقي
ويأبى الكحلُ إلا أنْ يسيلا
تذكرتُ الطفولةَ في رياضٍ
بجراجمة كم تفيَّأتُ الظليلا (1)
وداعبتُ الثرى عطِراً شَذِيّاً
تنسَّمتُ الصَّّبا فيها عليلا