أبو عمر الغالي المـديــر الـعـام
عدد المساهمات : 346 نقاط : 802 السٌّمعَة : 0 تاريخ الميلاد : 26/05/1992 تاريخ التسجيل : 04/11/2011 العمر : 32 العمل/الترفيه : فني في مخبز حماه الأول
| موضوع: الحياة في القبر ..!! الخميس ديسمبر 15, 2011 2:57 pm | |
|
عندما يحين الأجل تأتي ساعة الإحتضار ، وتعقبها حياة القبر ، ثم تنتهي هذه المرحلة بالبعث، وإذا مادققنا النظر لأدركنا أن هذه المرحلة أو هذه الفترة وجيزة لاتقاس بما يتبعها من حياة بعد النشور ، والقرآن الكريم يعبر عنها بلفط الزيارة في قوله تعالى : { أَلْهَاكُمْ التكَاثُرُ * حَتى زُرْتُمُ الْمَقـَابِرَ * )
أي أن الإنسان في القبر هو مجرد زائر ، وليس مقيما إقامة دائمة ، ومادام زائراً وليس مقيماً ، فإن الزيارة مهما طالت .. سيأتي لها وقت وتنتهي وتزول ، وهي زيارة ستنتهي بيوم الحشر ، فالموت هو انتقال من قوانين الى أخرى مختلفة ، فالإنسان في حياته ، له جرم مادي ، هو الجسد ،ولكن في الموت يعود الجسد إلى الأرض مرة أخرى ، ثم ترد إلى صاحبه يوم القيامة .
والموت يبدأ بالاحتضار ، ومعنى الاحتضار ، أن حياة الاختيار البشري قد انتهت ، فالإنسان في الحياة الدنيا له اختيارات ، وله عقل يختار بين البدائل ، ولكنه ساعة يحتضر .. تنتهي فترة الاختيار التي كانت اختباراً له وامتحاناً وابتلاءً ،وتبدأ مرحلة أخرى جديدة لااختيار له فيها ، يصبح الإنسان فيها مقهوراً ، إن الإنسان حين يحتضر يعرف يقيناً انه ميت ، لأنه يرى الملائكة ، ويرى من كون الله ماكان محجوباً عنه . واقرأ قوله تعالى : { لقَدْ كُنتَ في غَفْلَةٍ منْ هذا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوَمَ حَدِيدٌ } . ( سورة ق ) في هذه اللحظات تخمد البشرية وتتحدد المصائر يقينا إما إلى الجنة أو إلى النار .. إما أن يرى ملائكة الرحمة ، وإما يرى ملائكة العذاب ، هكذا أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بما يحدث لأهل الجنة حين يحضرهم الموت يقول سبحانه : { الذِينَ تَتَوَفَاهُمُ الْمَلاّئِكَةُ طَيبِينَ يَقُولَونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * } . ( سورة النحل )
وهكذا نعلم أن المؤمنين أصحاب العمل الصالح ساعة الإحتضار يرون ملائكة الرحمة ، وتكون أول بشارة لهم بالجنة ، فتنفرج أساريرهم ، ويبتسمون فرحين لأنهم ذاهبون إلى خير مما كانوا فيه ، إذا نظرت إلى وجوههم بعد الوفاة تراها ساكنة مطمئنة لما رأت من وعد الله الذي لايخلفه .
أما أولئك الذين كفروا وعصوا الله وأشركوا به وحاربوا دينه ، فإن لقاؤهم مع الموت يختلف ، يخبرنا بذلك القرآن الكريم في قول الله عز وجل : { ولو ترىّ إذ يَتَوفى الذِينَ كَفَروُاْ الْمَلاّئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ } . (سورة الأنفال )
ويعطينا الله سبحانه وتعالى وصفاً آخر للكفار في الآية الكريمة التي تقول : { وَلَوْ تَرَىّ إذِ الظالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاّئِكَةُ بَاسِطُوّاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواّْ أَنفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الحق وَكُنتُمْ عَنْ ءَاياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } . ( من الآية 93 سورة الأنعام )
وهكذا نعرف من هذه الآيات الكريمة أنه كما يرى المؤمن مصيره ومقعده في الجنة وهو يحتضر ، يرى الكافر مصيره ومقعده في النار وهو يحتضر ، بل إن ملائكة العذاب يهينون الكافر جزاءً على كفره ، فيضربونه على وجهه وعلى ظهره ويجعلونه يذوق عذاب الحريق ، ويتحدونه إن كانت له عزوة أو جاه أو منعة في الحياة الدنيا ، فليخرج نفسه مما هو فيه من عذاب وإهانة ، ولن يستطيع إخراج نفسه لأنه لايملك القوة ولا القدرة .
لقد انتهى الاختيار البشري وأصبح مقهوراً ككل أجناس الكون ، بعد أن نعم بالاختيار في الحياة الدنيا ، ومن علامات سوء الخاتمة ـ والعياذ بالله ـ إنك ترى الكافر أو الظالم وقد اكفهر وجهه وتشنج جسده وتقلصت ملامحه من هول مايرى من العذاب الذي ينتظره . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من هذا المصير أيها الناس : " إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ، إن المؤمن بين مخافتين ، بين أجل قد مضى لايدري ماالله صانع فيه ، وبين أجل قد بقي لايدري مالله تعالى ماض فيه ، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته ، ومن الشيبة قبل الكبر ، ومن الحياة قبل الموت ، والذي نفس محمد بيده مابعد الموت من مستعتب ، ولابعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار .
إن ساعة الاحتضار ـ كما صورها لنا القرآن الكريم ـ تزيل الحجب وترفع الغطاء وتحد البصر ، وتكشف كل ماكان غيباً عنا مصداقاً لقوله تعالى : { فلولاّ إذا بَلَغتِ الحلْقُومَ * وأنتُمْ حِنَئِذٍٍ تنظروُنَ * ونحنُ أقْربُ إليهِ مِنكُمْ ولكِن لاتبصِرُونَ } . ( سورة الواقعة )
في هذه اللحظة تبدأ أول منازل الآخرة ، لأن من مات قامت قيامته وعرف آخرته .. إنه حين يموت يسمع ، لكنه لايستطيع الرد ، ويرى ولكنه لايستطيع أن يروى مايراه ، إن لهم إدراكاً كما للحي إدراك .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا : " إذا زرتم المقابر فسلموا علىأهلها . وقولوا : السلام عليكم ديار قوم مؤمنين " ومادام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بهذا ، فلابد أن هناك إدراكاً ماعند أهل المقابر لهذه التحية ، وإلا لما أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذن هناك إدراك ما لسكان القبور بالنسبة لزائريهم وتحيتهم لهم ، وهناك إدراك آخر بأن هناك عقلاً او فكراً مما يجعلهم يميزون بين الأمل واليأس ، قال تعالى : { ياّأيها الذينَ أَمنُوا لَاتَتَوَلوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَضْ يَئسُوا مِنَ الأَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفارُ مِنْ أصْحابِ الْقُبُورِ } . (سورة الممتحنة )
درجة اليأس هذه التي وصلوا إليها محتاجة إلى إدراك بشيء ما ، فلا يمكن أن يصل إلى درجة اليأس أو يعيشها إلا مدرك يميز بين الأشياء ، بحيث يعرف أن هذه درجة يأس ، وهذه درجة أمل ، فالله تعالى قد قال : " كما يئس الكفار من أصحاب القبور "
| |
|